فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (23- 29):

قوله تعالى {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كلم اللئيم الذميم الكليم العظيم بما رجا أن يكفه عن مواجهته بما يكره، ويرجعه إلى مداراته.
فلم يفعل، وفهم ما في جوابه هذا الأخير من الذم له والتعجيز، وإثبات القدرة التامة والعلم الشامل لله، بما دبر في أمر موسى عليه السلام، وأنه لا ينهض لذلك بجواب ولا يحمد له فيه قول، عدل عنه إلى جوابه عن الرسالة بما يموه به أيضًا على قومه لئلا يرجعوا عنه، فأخبر تعالى عن محاورته في ذلك بقوله على طريق الجواب لمن كأنه قال: ما قال له جوابًا لهذا الكلام، الذي كأنه السهام؟: {قال فرعون} حائدًا عن جواب موسى عليه السلام لما فيه من تأنيبه وتعجيزه.
منكرًا لخالقه على سبيل التجاهل، كما أنكر هؤلاء الرحمن متجاهلين وهو أعرف الناس بغالب أفعاله، كما كان فرعون يعرف، لقول موسى عليه السلام {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض} [الإسراء: 102]: {وما رب العالمين} أي الذي زعمت أنكما رسوله.
فسأل بما عن حقيقته وإنما أراد في الحقيقة إنكاره.
ولما كان تعريف حقيقته سبحانه بنفسها محالًا لعدم التركيب، فكان تعريفها لا يصح إلا بالخارج اللازم الجلي، تشوف السامع إلى ما يجيب به عنه، فاستأنف قوله إخبارًا عنه: {قال} أي موسى معرضًا عن التعريف بغير الأفعال إعلامًا بأنه لا شبيه له، وأنه مباين وجوده لوجود كل شيء سواه، معرفًا له سبحانه بأظهر أفعاله مما لا يقدر أحد على ادعاء المشاركة فيه، مشيرًا إلى خطابه في طلب الماهية بأنه لا مماثل له: أقول لك ولمن أردت بطلب الحقيقة التمويه عليهم: هو {رب} أي خالق ومبدع ومدبر {السماوات} كلها {والأرض} وإن تباعدت أجرامها بعضها عن بعض {وما بينهما} وذلك أظهر العالم الذي هو صنعته وأنتم غير مستغنين عنه طرفة عين، فهذه هي المنة، لا منتك عليّ بالتربية إلى حين استغنيت عنك، وهذا هو الاستبعاد بالإحسان، مع العصيان بالكفران، لا استبعادك لقومي بإهلاكهم وهم في طاعتك، ولسلفهم عليكم من المنة ما لا تجهلونه {إن كنتم} أي كونًا راسخًا {موقنين} أي متصفين بما عليه أهل العلم بأصول الدين من الثقة بما تعتقدون اتصافًا ثابتًا، والجواب: علمتم ذلك، وعلمتم أنه لا جواب أسد منه، لأن المذكور متغير، فله مغير لا يتغير، وهو هذا الذي أرسلناه، أي إن كان لكم يقين فأنتم تعرفونه، لشدة ظهوره، وعموم نوره {قال} أي فرعون {لمن حوله} من أشراف قومه مموهًا أيضًا: {ألا تستمعون} أي تصغون إليه بجميع جهدكم، وهو كلام ظاهره أنه نبههم عن الإنكار، لأنه سأل عن الماهية، فأجيب بغيرها، ويحتمل غير ذلك لو ضويق فيه، فهو من خفيّ مكره.
ولما وبخ اللعين في جوابه، وكان ربما ادعى أن الخافقين وما بينهما من الفضاء غير مخلوق، فتشوف السامع إلى جواب يلزمه، استأنف الشفاء لعيّ هذا السؤال بقوله: {قال} أي موسى، مخصصًا بعد ما عمم بشيء لا تمكن المنازعة فيه لمشاهدة وجود أفراده بعد أن لم تكن: {ربكم} أي الموجد لكم والمربي والمحسن {ورب آبائكم الأولين} وفرعون- الذي تقرون بأنه ربكم- كان إذ ذاك عدمًا محضًا، أو ماء صرفًا في ظهر أبيه، فبطل كون أحد منهم ربًا لمن بعده كما بطل كون أحد ممن قبلهم من الهالكين ربًّا لهم، لأن الكل عدم.
فلما أوضح بذلك بطلان ما حملهم على اعتقاده من ربوبيته لم يتمالك أن {قال إن رسولكم} على طريق التهكم، إشارة إلى أن الرسول ينبغي أن يكون أعقل الناس، ثم زاد الأمر وضوحًا بقوله: {الذي أرسل إليكم} أي وأنتم أعقل الناس {لمجنون} حيث لا يفهم أني أساله عن حقيقة مرسله فكف يصلح للرسالة من الملوك.
فلما أساء الأدب، فاشتد تشوف السامع إلى معرفة جوابه عنه، استأنف تعالى الإخبار بذلك، فحكى أنه ذكر له ما لا يمكنه أن يدعي طاعته له، وهو أكثر تغيرًا وأعجب تنقلًا بأن {قال رب المشرق والمغرب} أي الشروق والغروب ووقتهما وموضعهما {وما بينهما} أي من الناس الذين ليسوا في طاعتكم، والحيوان والجماد، بسبب ما ترون من قدرته على تقليب النيرات من بزوغ الشمس والقمر والنجوم وأفولها وما يظهر عنهما من الليل والنهار على تصاريف مختلفة، وحركات متقاربة لولا هي لما علمتم شيئًا من أموركم، ولا تمكنتم من أحوالكم، وهذا الدليل أبين الكل لتكرر الحركة فيه وغير ذلك من معالمه، ولذلك بهت نمرود لما ألقاه عليه الخليل عليه الصلاة والسلام.
ولما دعاه صلى الله عليه وسلم باللين فأساء الأدب عليه في الجواب الماضي، ختم هذا البرهان بقوله: {إن كنتم تعقلون} أي فأنتم تعلمون ذلك، فخيرهم بين الإقرار بالجنون أو العقل، بما أشار إليه من الأدلة في مقابلة ما نسبوه إليه من الجنون بسكوتهم وقول عظيمهم بغير شبهة، ردًا لهم عن الضلالة، وإنقاذًا من واضح الجهالة، فكان قوله أنكأ مع أنه ألطف، وأوضح مع أنه أستر وأشرف.
فلما علم أنه قد قطعه بما أوضح من الأمر، ووصل معه في الغلظة إلى ما إن سكت عنه أوهن من حاله، وفتر من عزائم رجاله، تكلم بما السكوت أولى منه، فأخبر تعالى بقوله: {قال} عادلًا عن الحجاج بعد الخوض فيه إلى المغالبة التي هي أبين علامات الانقطاع: {لئن اتخذت إلهًا غيري} أي تعمدت أخذه وأفردته بتوجيه جميع قصدك إليه {لأجعلنك من المسجونين} أي واحدًا ممن هم في سجوني على ما تعلم من حالي في اقتداري، ومن سجوني في فظاعتها، ومن حال من فيها من شدة الحصر، والغلظ في الحجر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)}.
اعلم أن فرعون لم يقل لموسى {وَمَا رَبُّ العالمين}، إلا وقد دعاه موسى إلى طاعة رب العالمين، يبين ذلك ما تقدم من قوله: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} [الشعراء: 16] فلابد عند دخولهما عليه أنهما قالا ذلك، فعند ذلك قال فرعون: {وَمَا رَبُّ العالمين} ثم هاهنا بحثان:
الأول: أن فرعون يحتمل أن يقال إنه كان عارفًا بالله، ولكنه قال ما قال طلبًا للملك والرياسة، وقد ذكر الله تعالى في كتابه ما يدل على أنه كان عارفًا بالله، وهو قوله: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السموات والأرض} [الإسراء: 102] فإذا قرئ بفتح التاء من {عَلِمَتِ} فالمراد أن فرعون علم ذلك، وذلك يدل على أنه كان عارفًا بالله، لكنه كان يستأكل قومه بما يظهره من إلهيته، والقراءة الأخرى برفع التاء من {عَلِمَتِ} فهي تقتضي أن موسى عليه السلام هو الذي عرف ذلك، وأيضًا فإن فرعون إن لم يكن عاقلًا لم يجز من الله تعالى بعثة الرسول إليه، وإن كان عاقلًا فهو يعلم بالضرورة أنه ما كان موجودًا ولا حيًا ولا عاقلًا ثم صار كذلك، وبالضرورة يعلم أن كل ما كان كذلك فلابد له من مؤثر، فلابد وأن يتولد له من هذين العلمين علم ثالث بافتقاره في تركيبه وفي حياته وعقله إلى مؤثر موجد، ويحتمل أن يقال إنه كان على مذهب الدهرية من أن الأفلاك واجبة الوجود في ذواتها ومتحركة لذواتها، وأن حركاتها أسباب لحصول الحوادث في هذا العالم، أو يقال إنه كان من الفلاسفة القائلين بالعلة الموجبة لا بالفاعل المختار، ثم اعتقد أنه بمنزلة الإله لأهل إقليمه من حيث استعبدهم وملك ذماتهم وزمام أمرهم، ويحتمل أن يقال إنه كان على مذهب الحلولية، القائلين بأن ذات الإله يتدرع بجسد إنسان معين، حتى يكون الإله سبحانه لذلك الجسد بمنزلة روح كل إنسان بالنسبة إلى جسده، وبهذه التقديرات كان يسمي نفسه إلهًا.
البحث الثاني: وهو أنه قال لموسى عليه السلام: {وَمَا رَبُّ العالمين}؟ واعلم أن السؤال بما طلب لتعريف حقيقة الشيء، وتعريف حقيقة الشيء إما أن يكون بنفس تلك الحقيقة أو بشيء من أجزائها أو بأمر خارج عنها أو بما يتركب من الداخل والخارج.
أما تعريفها بنفسها فمحال، لأن المعرف معلوم قبل المعرف، فلو عرف الشيء بنفسه لزم أن يكون معلومًا قبل أن يكون معلومًا وهو محال.
وأما تعريفها بالأمور الداخلة فيها فههنا في حق واجب الوجود محال، لأن التعريف بالأمور الداخلة لا يمكن إلا إذا كان المعرف مركبًا، وواجب الوجود يستحيل أن يكون مركبًا، لأن كل مركب فهو محتاج إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه فهو غيره، فكل مركب محتاج إلى غيره، وكل ما احتاج إلى غيره فهو ممكن لذاته، وكل مركب فهو ممكن، فما ليس بممكن يستحيل أن يكون مركبًا، فواجب الوجود ليس بمركب، وإذا لم يكن مركبًا استحال تعريفه بأجزائه، ولما بطل هذان القسمان ثبت أنه لا يمكن تعريف ماهية واجب الوجود إلا بلوازمه وآثاره، ثم إن اللوازم قد تكون خفية، وقد تكون جلية، ولا يجوز تعريف الماهية باللوازم الخفية بل لابد من تعريفها باللوازم الجلية، وأظهر آثار ذات واجب الوجود هو هذا العالم المحسوس وهو السموات والأرض وما بينهما فقد ثبت أنه لا جواب ألبتة لقول فرعون {وَمَا رَبُّ العالمين} إلا ما قاله موسى عليه السلام، وهو أنه رب السموات والأرض وما بينهما، فأما قوله: {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} فمعناه: إن كنتم موقنين بإسناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته لأنكم لما سلمتم انتهاء هذه المحسوسات إلى الواجب لذاته، ثبت أن الواجب لذاته فرد مطلق، وثبت أن الفرد المطلق لا يمكن تعريفه إلا بآثاره، وثبت أن تلك الآثار لابد وأن تكون أظهر آثاره، وأبعدها عن الخفاء وما ذاك إلا السموات والأرض وما بينهما، فإن أيقنتم بذلك لزمكم أن تقطعوا بأنه لا جواب عن ذلك السؤال إلا هذا الجواب، ولما ذكر موسى عليه السلام هذا الجواب الحق قال فرعون لمن حوله ألا تستمعون وإنما ذكر ذلك على سبيل التعجب من جواب موسى، يعني أنا أطلب منه الماهية وخصوصية الحقيقة، وهو يجيبني بالفاعلية والمؤثرية، وتمام الإشكال أن تعريف الماهية بلوازمها لا يفيد الوقوف على نفس تلك الماهية، وذلك لأنا إذا قلنا في الشيء إنه الذي يلزمه اللازم الفلاني، فهذا المذكور، إما أن يكون معروفًا لمجرد كونه أمرًا ما يلزمه ذلك اللازم أو لخصوصية تلك الماهية التي عرضت لها هذه الملزومية، والأول محال لأن كونه أمرًا يلزمه ذلك اللازم جعلناه كاشفًا فلو كان المكشوف هو هذا القدر لزم كون الشيء معروفًا لنفسه وهو محال، والثاني محال لأن العلم بأنه أمر ما يلزمه اللازم الفلاني لا يفيد العلم بخصوصية تلك الماهية الملزومة، لأنه لا يمتنع في العقل اشتراك الماهيات المختلفة في لوازم متساوية فثبت أن التعريف بالوصف الخارجي لا يفيد معرفة نفس الحقيقة فلم يكن كونه ربًا للسموات والأرض وما بينهما جوابًا عن قوله: {وَمَا رَبُّ العالمين} فأجاب موسى عليه السلام: بأن {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الأولين} وكأنه عدل عن التعريف بخالقية السماء والأرض إلى التعريف بكونه تعالى خالقًا لنا ولآبائنا، وذلك لأنه لا يمتنع أن يعتقد أحد أن السموات والأرضين واجبة لذواتها فهي غنية عن الخالق والمؤثر، ولكن لا يمكن أن يعتقد العاقل في نفسه وأبيه وأجداده كونهم واجبين لذواتهم، لم أن المشاهدة دلت على أنهم وجدوا بعد العدم ثم عدموا بعد الوجود، وما كان كذلك استحال أن يكون واجبًا لذاته، وما لم يكن واجبًا لذاته استحال وجوده إلا لمؤثر، فكان التعريف بهذا الأثر أظهر فلهذا عدل موسى عليه السلام من الكلام الأول إليه فقال فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} يعني المقصود من سؤال ما طلب الماهية وخصوصية الحقيقة والتعريف بهذه الآثار الخارجية لا يفيد ألبتة تلك الخصوصية، فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون لا يفهم السؤال فضلًا عن أن يجيب عنه، فقال موسى عليه السلام: {رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني، وذلك لأنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وظهور النهار، وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار، والأمر ظاهر في أن هذا التدبير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر وهذا بعينه طريقة إبراهيم عليه السلام مع نمروذ، فإنه استدل أولًا بالإحياء والإماتة وهو الذي ذكره موسى عليه السلام هاهنا بقوله: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الأولين} فأجابه نمروذ بقوله: {أنا أحيي وأميت} [البقرة: 258] فقال: {فَإِنَّ الله يَأْتِى بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} [البقرة: 258] وهو الذي ذكره موسى عليه السلام هاهنا بقوله: {رَّبُّ المشرق والمغرب}.
وأما قوله: {إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} فكأنه عليه السلام قال إن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت لأنك طلبت مني تعريف حقيقته بنفس حقيقته، وقد ثبت أنه لا يمكن تعريف حقيقته بنفس حقيقته ولا بأجزاء حقيقته، فلم يبق إلا أن أعرف حقيقته بآثار حقيقته، وأنا قد عرفت حقيقته بآثار حقيقته فقد ثبت أن كل من كان عاقلًا يقطع بأنه لا جواب عن هذا السؤال إلا ما ذكرته.
واعلم أنا قد بينا في سورة الأنعام (18) في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} أن حقيقة الإله سبحانه من حيث هي هي غير معقولة للبشر، وإذا كان كذلك استحال من موسى عليه السلام أن يذكر ما تعرف به تلك الحقيقة، إلا أن عدم العلم بتلك الخصوصية لا يقدح في صحة الرسالة فكان حاصل كلام موسى عليه السلام أن ادعاء رسالة رب العالمين تتوقف صحته على إثبات أن للعالمين ربًا وإلهًا ولا تتوقف على العلم بخصوصية الرب تعالى وماهيته المعينة، فكأن موسى عليه السلام يقيم الدلالة على إثبات القدر المحتاج إليه في صحة دعوى الرسالة، وفرعون يطالبه ببيان الماهية، وموسى عليه السلام كان يعرض عن سؤاله لعلمه بأنه لا تعلق لذلك السؤال نفيًا ولا إثباتًا في هذا المطلوب، فهذا تمام القول في هذا البحث والله أعلم، ثم إن موسى عليه السلام لما خشن في آخر الكلام بقوله: {إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} فعند ذلك قال فرعون: {لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} فإنه لما عجز عن الحجاج عدل إلى التخويف، فعند ذلك ذكر موسى عليه السلام كلامًا مجملًا ليعلق قلبه به فيعدل عن وعيده فقال: {أَوْ لَوْ جِئْتُكَ بِشيء مُّبِينٍ}؟. اهـ.